البابا يختتم اليوم الثاني من زيارته بلقاء الشبيبة في بكركي: المستقبل بين ايديكم والحب قادر على معالجة الجروح
اختتم قداسة البابا لاوون الرابع عشر اليوم الثاني من زيارته الرسولية والرسمية للبنان بلقاء أكثر من ١٣ الف شاب وشابة من لبنان والعالم في الصرح البطريركي في بكركي، في حضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف الاول العبسي، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الأرمن الكاثوليك رافائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسّيان، السفير البابوي المونسينيور باولو بورجيا والوفد المرافق لقداسته، في حضور اللبنانية الأولى السيدة نعمت عون وحشد من الفاعليات السياسية والنقابية والبلدية والإختيارية والإعلامية والدينية.
الراعي
والقى البطريرك الراعي كلمة ترحيبية بقداسة البابا قال فيها:
"باسم مجلسِ البطاركةِ والأساقفةِ الكاثوليك في لبنان، وباسم شبيبةِ لبنان، نتقدّمُ منكم بأحرِّ التّحايا وأصدقِ عباراتِ الترحيب. نُحيّيكم بطوبى الإنجيل التي تُلهِبُ القلوبَ حماسةً واندفاعًا وحثًا: "طوبى لفاعلي السّلام".
أهلاً بكم في لبنانَ، هذا البلدِ الصغيرِ بمساحته، الكبيرِ برسالته، الأرضِ المقدّسةِ التي شاء اللهُ أن يلتقيَ فيها الشرقُ والغرب، وتتقاطعَ فيها الثّقافاتُ والحضاراتُ في عنصرةٍ روحيّةٍ واجتماعيّةٍ وإنسانيّةٍ متعدّدةِ الهُويّات. أهلاً بكم على أرضِ الأرز، تلك الشّاهقاتِ الصّامتات، الرافعةِ أذرعَها نحو اللاّمتناهي، كأنّها مزاميرُ تنبعثُ من تربةِ الأرض إلى السّماء.
أهلا بكم في بكركي، هذا الصرحِ البطريركي العريق، دارِ الرجاء ومنارةِ الإيمان، الذي بقي على مدى القرون قلبَ الكنيسةِ النابضَ في الشّرق.
اليومَ يستقبلُكم لبنانُ، لا ببهرجة القصور، بل برهافةِ جراحه. يُقدِّمُ لكم أثمنَ ما يملِكُ: دموعَه وقد صارت لآلئَ رجاءٍ، وجبالَه وقد غدت مذابحَ تضرّعٍ وصلاة.
إنّ حضورَكم بيننا، يا قداسةَ الحبر الأعظم، هو نَسَمةُ روحٍ تُلامسُ شعبًا أضنتهُ الأيّام، وفجرٌ جديدٌ يطلعُ على وطنٍ لا يزالُ يبحثُ عن النّور. وفي خُطاكم نسمعُ صدى المسيحِ وهو يمشي على دروبنا الـمُثخنةِ بالجراح، هامسًا لنا من جديد: "لا تخافوا".
اضاف: "ومن رُبى بكركي، تُطلّون على شعبٍ يتألّمُ، يتوجّعُ، ينتحب، لكنّ إيمانَه الصّامدَ يجعلُه قويًّا؛ وعلى شبابٍ يتشبّثُ بمستقبله في أرضه، ينهضُ بعزيمة لا تلين، ويرفعُ إليكم توسُّلَه المتضرِّع:
تكلّموا إلينا، يا أيها الأبُ الأقدس، عن الرّجاء الذي لا يـُخزي؛ عن الرّجاءِ الذي يـَمضي متواضعًا، ثابتًا، باسلاً، يقاومُ العواصفَ الهوجاء.
وعلى صعوبة المسير، فإنّ شبابَنا يتطلّعون إلى بناء لبنانَ جديدٍ، لبنانَ يحتضنُ تعدّدَ انتماءاتِه الدينيّةِ والثقافيّة، ويُثمِّرُها في روح الأخوّةِ والوئام. يريدون وطنًا يكونُ فيه الإيمانُ قوّةً فاعلةً لا انطواءً، ويكونُ فيه التنوّعُ غِنىً لا انقسامًا، والسلامُ فيه غلبةً على البَغضاء وإخاءً مستدامًا" .
وتابع: "لقد عرفكم العالمُ، أيها الأبُ الأقدس، بوجهِكم الوديع، وبابتسامتِكم التي تُنيرُ القلوب، وبكلمتِكم الصادقة التي تخرجُ من عمق الإيمان. أنتم بابا القربِ من الناس، بابا الإصغاءِ والرحمة، وبابا السّلامِ الذي يذكّرُ العالمَ أنَّ اللهَ لا يتركُ شعبَه، وأنّ النورَ أقوى من الظّلمة، وأنّ صوتَ الكنيسةِ هو دوماً صوتُ الرجاءِ لا الخوف، وصوتُ السلامِ لا العنف".
وشدد على أن "شبابُ لبنانَ يُحبّونكم، يا قداسةَ البابا. ينتظرونكم بقلوبٍ متّقدة، تتوقُ إلى سماع كلمةِ حياةٍ من فمكم وسطَ هذه الأزمنةِ العصيبةِ التي يعيشونها. في كلماتكم يبحثونَ عن النّور الذي يُبدّدُ الظِّلال، وعن القوّةِ التي تُنعِشُ الإيمانَ بإلهٍ حاضرٍ أبدًا في مستقبلهم. يتطلّعون لأن يجدوا فيها الشجاعةَ الحقيقيّة: شجاعةَ أن يُحبّوا بعدُ، وأن يُحبّوا دائمًا، رغمَ المحنِ وخيباتِ الأمل. ويفرحون بوجودكم بينهم، لأنّهم يرون فيكم أبًا يُصغي إليهم ويُرافقُهم، وصوتًا يدعوهم إلى الثّبات في الإيمان، انتصارًا للمعنى على العبثيّة، ويدعوهم إلى التمسُّكِ بالرّجاء، انتصارًا للعزيمة على الإحباط، ويدعوهم إلى الالتزامِ بالخير، انتصارًا للسّلامِ على ثقافة الموت".
وقدم الراعي للبابا لاوون "شكرنِا العميق على تكريمكم أرضَنا بحضوركم، في أوّل زيارةٍ رسميّة من حَبريّتكم المباركة. سيبقى هذا اللقاءُ الثمينُ محفورًا في ذاكرتنا الجماعيّة. شكرًا لأنّكم تنظرون إلينا لا بعين الأسى، بل بعين الثّقة. ستكونُ كلماتُكم لنا نورًا وهداية، وبركتُكم وعدَ نهضةٍ نتوقُ إليها ونتأرّقُ انتظارًا لها" .
وختم: "باسم مجلسِ البطاركةِ والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وباسم شبابِ لبنان - هذا الشبابِ الجريح، لكنه صامدٌ، صلبٌ، متصدٍ، نابضٌ بالعزم - نقولُ لكم: أهلاً بكم في بيتكم، يا أيّها الأبُ الأقدس. أهلاً بكم في دار الإيمان؛ أهلاً بكم على أرض الأرز والصّليب؛ أهلا بكم في قلبِ أبنائكم الخافقِ بالإيمانِ والمحبّةِ والرّجاءِ والفرحِ والطّاقةِ والإرادة" .
شهادات وتقديمات
يرق
ثم تلا منسق الشبيبة في الدائرة البطريركية في بكركي الخوري جورج يرق نصا من الانجيل بعنوان "سلامي لكم سلامي أعطيكم".
لوحة تعبيرية
بعدها، قدمت مجموعة من الشبان والشابات بأعمار منوعة لوحة تعبيرية جسدت معاناتهم، وسط الأزمات التي شهدها ولا يزال لبنان.
واكدوا ان الدمار بعد انفجار ٤ آب دمر القلوب وليس الحجر فقط. وتابعوا ان هذه الكارثة لم تثنهم عن المساعدة بكل قوتهم بفضل الرجاء بالرب يسوع وبأن حبهم للبنان اقوى من خوفهم . واعتبروا ان بذرة السلام ستنمو في هذا الوطن المتمسك بالحياة.
ثم كانت شهادة حية لشاب، اكد ان "ما من وطن يحيا من دون شبيبة تؤمن به ولبنان يستأهل ان نبقى فيه على الرغم من الصعاب".
ثم كانت شهادة حية لشابتين الأولى مسيحية والثانية مسلمة عرضتا خلالها تجربتهما "الحقيقية في العيش المشترك خلال فترة الحرب الماضية"، وأكدتا أن "فرق الدين تجمعه روح المحبة ليؤكد ان الله موجود عندما تتلاقى القلوب المختلفة وتشكل معنى التعايش".
كلمة قداسة البابا
واستهل البابا لاوون كلمته بتحية "السلام لكم" وقال:
قصصهم تتحدث عن الشجاعة في الألم، وعن الرجاء وسط الفشل، وعن السلام الداخلي زمن الحرب. إنهم نجوم متلالنة في ليلة مظلمة، نرى فيها بزوغ نور الفجر. وفي كل هذه التناقضات يستطيع الكثيرون منا أن يعرفوا خبراتهم الشخصية، في الخير كما في الشر تاريخ لبنان مليء بالصفحات المجيدة، لكنه أيضا يحمل جراحا عميقة، يصعب شفاؤها. هذه الجراح لها أسباب تتجاوز الحدود الوطنية وتتداخل مع ديناميات اجتماعية وسياسية معقدة جدا. أيها الشباب الأعزاء، ربما تشعرون بالأسى لأنكم ورثتم عالما ممزقا بالحروب ومشوها بالظلم الاجتماعي. ومع ذلك، في داخلكم رجاء، وهو عطية لكم، يبدو لنا نحن الكبار أنه بدأ يتلاشى. أنتم أمامكم الزمن! ومعكم المزيد من الوقت لتحلموا، وتنظموا، وتعملوا الخير. أنتم الحاضر، وبأيديكم بدأ المستقبل يتكون! وفيكم اندفاع لتغيير مجرى التاريخ! المقاومة الحقيقية للشر ليست بالشر، بل بالمحبة، القادرة على شفاء جراحنا بشفاء جراح الاخرين".
وقال: "انظروا بصورة خاصة إلى الشباب الكثيرين، مثلكم، الذين لم يثبط عزيمتهم الظلم أو الشهادات الخاطئة، حتى في الكنيسة، بل حاولوا رسم طرق جديدة بحثا عن ملكوت الله وعدله. بالقوة التي يمنحكم إياها المسيح، ابنوا عالما أفضل من الذي وجدتم أنفسكم فيه! أنتم الشباب تقدرون، أكثر من غيركم، أن تنسجوا علاقات مع الآخرين، حتى لو اختلفوا عنكم في الخلفية الثقافية والدينية. التجدد الحقيقي الذي يتوق إليه القلب الشاب يبدأ بالأعمال اليومية: بقبول القريب والبعيد، ومد اليد إلى الصديق واللاجئ، والمغفرة للعدو، التي هي أمر صعب لكن ضروري".
اضاف: "لتنظر إلى الأمثلة الرائعة التي تركها لنا القديسون! لنفكر في القديس بيير جورجيو فراساتي والقديس كارلو أكوتيس، شابين تم إعلان قداستهما في هذه السنة المقدسة، سنة اليوبيل. ولننظر إلى مثال قديسيكم: ما أجمل ما تجلى في حياة القديسة رفقا، التي قاومت ألم المرض مدة سنوات بقوة ووداعة! وكم من أفعال رحمة قام بها الطوباوي أبونا يعقوب الحداد، فساعد المهمشين والمنسيين من الجميع".
"أيها الأعزاء، بين جمبع القديسين والقديسات تشرق كاملة القداسة، مريم العذراء ، ام الله وامنا، كثير من الشباب يحملون مسبحة الوردية دائما في جيبهم، أو على المعصم، أو حول أعناقهم. ما أجمل أن ننظر إلى يسوع بعيني قلب مريم! ومن هنا أيضا، حيث نحن الآن، ما أروع أن نرفع نظرنا إلى سيدة لبنان، برجاء وثقة!"
وختم البابا لاوون :" الرب يسوع سيكون دائما معكم، وكونوا واثقين بدعم كل الكنيسة لكم في تحديات حياتكم المصيرية وفي تاريخ بلدكم الحبيب. أوكلكم إلى حماية والدة الله سيدتنا مريم العذراء، التي من أعلى هذا الجبل تنظر إلى هذا الإزهار الجديد. يا شباب لبنان، أنموا بقوة مثل الأرز، واجعلوا العالم يزهر بالرجاء!".
بعدها، غادر قداسة البابا الصرح البطريركي في بكركي بعد دخوله كنيسة القيامة داخل الصرح، يرافقه البطريرك الراعي بعد اخذ صور تذكارية مع صاحب الغبطة وجمهور الصرح.

تعليقات
إرسال تعليق